کد مطلب:90489 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:391
[صفحه 64] مُنْتَقَصٌ سِوَاهُ، وَ كُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ مَا خَلاَهُ. وَ هُوَ الْمَنَّانُ[2] بِفَوَائِدِ[3] النِّعَمِ، وَ عَوَائِدِ الْمَزیدِ وَ الْقِسَمِ. عِیَالُهُ الْخَلاَئِقُ، بِجُودِهِ[4] ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ، وَ قَدَّرَ أَقْوَاتَهُمْ، وَ نَهَجَ سَبیلَ الرَّاغِبینَ إِلَیْهِ، وَ الطَّالِبینَ مَا لَدَیْهِ. وَ لَیْسَ بِمَا سُئِلَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَا[5] لَمْ یُسْأَلْ. الأَوَّلُ الَّذی لَیْسَ[6] لَهُ قَبْلٌ فَیَكُونَ شَیْ ءٌ قَبْلَهُ، وَ الآخِرُ الَّذی لَیْسَ لَهُ بَعْدٌ فَیَكُونَ شَیْ ءٌ بَعْدَهُ، وَ الرَّادِعُ أَنَاسِیَّ الأَبْصَارِ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ أَوْ تُدْرِكَهُ. مَا اخْتَلَفَ عَلَیْهِ دَهْرٌ فَتَخْتَلِفَ مِنْهُ[7] الْحَالُ، وَ لاَ كَانَ فی مَكَانٍ فَیَجُوزَ عَلَیْهِ الاِنْتِقَالُ. وَ لَوْ وَهَبَ مَا تَنَفَّسَتْ[8] عَنْهُ مَعَادِنُ الْجِبَالِ، وَ ضَحِكَتْ عَنْهُ أَصْدَافُ الْبِحَارِ، مِنْ فِلَزِ[9] اللُّجَیْنِ، وَ سَبَائِكِ[10] الْعِقْیَانِ، وَ نُثَارَةِ الدُّرِّ، وَ حَصیدِ[11] الْمَرْجَانِ، لِبَعْضِ عَبیدِهِ[12]، مَا أَثَّرَ ذَلِكَ فی جُودِهِ، وَ لاَ أَنْفَدَ سَعَةَ مَا عِنْدَهُ، وَ لَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَخَائِرِ الإِنْعَامِ[13] مَا لاَ تَخْطُرُ لِكَثْرَتِهِ عَلی بَالٍ[14]، وَ لاَ تُنْفِدُهُ مَطَالِبُ الأَنَامِ. لأَنَّهُ الْجَوَادُ الَّذی لاَ یَغیضُهُ سُؤَالُ السَّائِلینَ، وَ لاَ یُبَخِّلُهُ[15] إِلْحَاحُ الْمُلِحّینَ، وَ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ[16]. [صفحه 65] فَمَا ظَنُّكُمْ بِمَنْ هُوَ هكَذَا وَ لاَ هكَذَا غَیْرُهُ. سُبْحَانَهُ وَ بِحَمْدِهِ. أَیُّهَا السَّائِلُ، اعْقَلْ عَنّی مَا سَأَلْتَنِی عَنْهُ، وَ لاَ تَسْأَلَنَّ أَحَداً عَنْهُ بَعْدی، فَإِنّی أَكْفیكَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ، وَ شِدَّةَ التَّعَمُّقِ فِی الْمَذْهَبِ. وَ كَیْفَ یُوصَفُ الَّذی سَأَلْتَنِی عَنْهُ، وَ هُوَ الَّذی عَجَزَتِ الْمَلاَئِكَةُ، عَلی قُرْبِهِمْ مِنْ كُرْسِیِّ كَرَامَتِهِ، وَ طُولِ وَلَهِهِمْ إِلَیْهِ، وَ تَعْظیمِ جَلاَلِ عِزَّتِهِ، وَ قُرْبِهِمْ مِنْ غَیْبِ مَلَكُوتِهِ، أَنْ یَعْلَمُوا مِنْ عِلْمِهِ[17] إِلاَّ مَا عَلَّمَهُمْ، وَ هُوَ مِنْ مَلَكُوتِ الْقُدْسِ بِحَیْثُ هُمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ عَلی مَا فَطَرَهُمْ عَلَیْهِ، فَقَالُوا: سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلیمُ الْحَكیمُ[18]. بَلْ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً، أَیُّهَا الْمُتَكَلِّفُ لِوَصْفِ رَبِّكَ الرَّحْمنِ بِخِلافِ التَّنْزیلِ وَ الْبُرْهَانِ[19]، فَصِفْ جِبْریلَ وَ میكَائیلَ، وَ جُنُودَ الْمَلاَئِكَةِ الْمُقَرَّبینَ، فی حُجُرَاتِ الْقُدْسِ مُرْجَحِنّینَ، مُتَوَلِّهَةً عُقُولُهُمْ أَنْ یَحُدُّوا أَحْسَنَ الْخَالِقینَ. [ وَ مَلَكُ الْمَوْتِ ] هَلْ تُحِسُّ بِهِ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلاً؟ أَمْ هَلُ تَرَاهُ إِذَا تَوَفَّی أَحَداً؟. بَلْ كَیْفَ یَتَوَفَّی الْجَنینَ فی بَطْنِ أُمِّهِ؟. أَیَلِجُ عَلَیْهِ مِنْ بَعْضِ جَوَارِحِهَا؟. أَمِ الرُّوحُ أَجَابَتْهُ بِإِذْنِ رَبِّهَا؟. أَمْ هُوَ سَاكِنٌ مَعَهُ فی أَحْشَائِهَا؟. كَیْفَ یَصِفُ إِلهَهُ[20] مَنْ یَعْجَزُ عَنْ صِفَةِ مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ؟. فَإِنَّمَا یُدْرَكُ بِالصِّفَاتِ ذَوُو الْهَیَئَاتِ وَ الأَدَوَاتِ، وَ مَنْ یَنْقَضی إِذَا بَلَغَ أَمَدَ حَدِّهِ بِالْفَنَاءِ. فَلاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ، أَضَاءَ بِنُورِهِ كُلَّ ظَلاَمٍ، وَ أَظْلَمَ بِظُلْمَتِهِ كُلَّ نُورٍ. [صفحه 66] فَانْظُرْ، أَیُّهَا السَّائِلُ، فَمَا دَلَّكَ الْقُرْآنُ عَلَیْهِ مِنْ صِفَتِهِ، وَ تَقَدَّمَكَ فیهِ الرُّسُلُ، فَاتَّبِعْهُ لِیُوصِلَ بَیْنَكَ وَ بَیْنَ مَعْرِفَتِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ نِعْمَةٌ وَ حِكْمَةٌ أُوتیتَهُمَا، فَخُذْ مَا أُوتیتَ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرینَ، وَ[21] ائْتَمَّ بِه، وَ اسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَایَتِهِ. وَ مَا كَلَّفَكَ الشَّیْطَانُ عِلْمَهُ[22] مِمَّا لَیْسَ فِی الْكِتَابِ عَلَیْكَ فَرْضُهُ، وَ لاَ فی سُنَّةِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ أَئِمَّةِ الْهُدی أَثَرُهُ، فَكِلْ عِلْمَهُ إِلَی اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُنْتَهی حَقِّ اللَّهِ عَلَیْكَ. وَ اعْلَمْ، أَیُّهَا السَّائِلُ[23]، أَنَّ الرَّاسِخینَ فِی الْعِلْمِ هُمُ الَّذینَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُیُوبِ، الاِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسیرَهُ مِنَ الْغَیْبِ الْمَحْجُوبِ، فَقَالُوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا[24]. فَمَدَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ[25] تَعَالَی اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ یُحیطُوا بِهِ عِلْماً، وَ سَمَّی تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فیمَا لَمْ یُكَلِّفْهُمُ الْبَحْثُ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً. فَاقْتَصِرْ عَلی ذلِكَ، وَ لاَ تُقَدِّرْ عَظَمَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلی قَدْرِ عَقْلِكَ، فَتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِینَ. هُوَ الْقَادِرُ[26] الَّذی إِذَا ارْتَمَتِ الأَوْهَامُ[27] لِتُدْرِكَ مُنْقَطَعَ قُدْرَتِهِ، وَ حَاوَلَ الْفِكْرُ الْمُبَرَّأُ مِنْ خَطَرِ[28] الْوَسَاوِسِ، أَنْ یَقَعَ عَلَیْهِ فی عَمیقَاتِ غُیُوبِ مَلَكُوتِهِ، وَ تَوَلَّهَتِ[29] الْقُلُوبُ إِلَیْهِ لِتَجْرِیَ فی كَیْفِیَّةِ صِفَاتِهِ، وَ غَمَضَتْ مَدَاخِلُ الْعُقُولِ فی حَیْثُ لاَ تَبْلُغُهُ الصِّفَاتُ لِتَنَالَ[30] عِلْمَ ذَاتِهِ[31]، [صفحه 67] رَدَعَهَا[32] وَ هِیَ تَجُوبُ مَهَاوِیَ سُدَفِ الْغُیُوبِ، مُتَخَلِّصَةً إِلَیْهِ سُبْحَانَهُ. فَرَجَعَتْ، إِذْ جُبِهَتْ، خَاسِئَةً[33]، مُعْتَرِفَةً بِأَنَّهُ لاَ یُنَالُ بِجَوْرِ[34] الإعْتِسَافِ كُنْهُ مَعْرِفَتِهِ، وَ لاَ تَخْطُرُ بِبَالِ أُولِی الرَّوِیَّاتِ خَاطِرَةٌ[35] مِنْ تَقْدیرِ جَلاَلِ عِزَّتَهِ، لِبُعْدِهِ مِنْ أَنْ یَكُونَ فی قُوَی الْمَحْدُودینَ، [ وَ ] لأَنَّهُ خِلاَفُ خَلْقِهِ فَلاَ شَبَهَ لَهُ مِنَ الْمَخْلُوقینَ. وَ إِنَّمَا یُشَبَّهُ الشَّیْ ءُ بِعَدیلِهِ، فَأَمَّا مَا لاَ عَدیلَ لَهُ فَكَیْفَ یُشَبَّهُ بِغَیْرِ مِثَالِهِ؟. وَ هُوَ الْبَدی ءُ الَّذی لَمْ یَكُنْ شَیْ ءٌ قَبْلَهُ، وَ الآخِرُ الَّذی لَیْسَ شَیْ ءٌ بَعْدَهُ. لاَ تَنَالُهُ الأَبْصَارُ فی مَجْدِ جَبَرُوتِهِ، إِذْ حَجَبَهَا بِحُجُبٍ لاَ تُنْفَذُ فی تُخْنِ كَثَافَتِهِ، وَ لاَ تَخْرُقُ إِلی ذِی الْعَرْشِ مَتَانَةُ خَصَائِصِ سِتْرَاتِهِ. اَلَّذی تَصَاغَرَتْ عِزَّةُ الْمُتَجَبِّرینَ دُونَ جَلاَلِ عَظَمَتِهِ، وَ خَضَعَتْ لَهُ الرِّقَابُ وَ عَنَتْ لَهُ الْوُجُوهُ مِنْ مَخَافَتِهِ. وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ، سُبْحَانَهُ وَ بِحَمْدِهِ، لَمْ یَحْدُثْ فَیُمْكِنَ فیهِ التَّغَیُّرُ وَ الاِنْتِقَالُ، وَ لَمْ تَتَصَرَّفْ فی ذَاتِهِ كُرُورُ الأَحْوَالِ، وَ لَمْ یَخْتَلِفْ عَلَیْهِ عَقْبُ[36] الأَیَّامِ وَ اللَّیَالی[37]. اَلَّذِی ابْتَدَعَ الْخَلْقَ عَلی غَیْرِ مِثَالٍ امْتَثَلَهُ، وَ لاَ مِقْدَارٍ احْتَدی عَلَیْهِ مِنْ خَالِقٍ مَعْبُودٍ[38] كَانَ قَبْلَهُ، وَ أَرَانَا مِنْ مَلَكُوتِ قُدْرَتِهِ، وَ عَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثَارُ حِكْمَتِهِ، وَ اعْتِرَافِ الْحَاجَةِ مِنَ الْخَلْقِ إِلی أَنْ یُقیمَهَا بِمِسَاكِ قُوَّتِهِ[39]، مَا دَلَّنَا بِاضْطِرَارِ قِیَامِ الْحُجَّةِ لَهُ عَلی مَعْرِفَتِهِ. لاَ تُحیطُ بِهِ الصِّفَاتُ فَیَكُونُ بِإِدْرَاكِهَا إِیَّاهُ بِالْحُدُودِ مُتَنَاهِیاً، وَ مَا زَالَ، إِذْ هُوَ اللَّهُ الَّذی لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ، عَنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقینَ مُتَعَالِیاً، وَ انْحَسَرَتِ الْعُیُونُ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ فَیَكُونَ بِالْعَیَانِ مَوْصُوفاً، وَ بِالذَّاتِ الَّتی لاَ یَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ عِنْدَ خَلْقِهِ مَعْرُوفاً. [صفحه 68] وَ فَاتَ لِعُلُوِّهِ عَنِ الأَشْیَاءِ مَوَاقِعَ وَهْمِ الْمُتَوَهِّمینَ، وَ ارْتَفَعَ عَنْ أَنْ تَحْوِیَ كُنْهَ عَظَمَتِهِ فَهَاهَةُ[40] رَوِیَّاتِ الْمُتَفَكِّرینَ. فَلَیْسَ لَهُ مِثْلٌ فَیَكُونُ مَا یَخْلُقُ مُشَبَّهاً بِهِ، وَ مَا زَالَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ عَنِ الأَشْبَاهِ وَ الأَنْدَادِ مُنَزَّهاً[41]. وَ ظَهَرَتْ فِی الْبَدَائِعِ الَّتی أَحْدَثَهَا آثَارُ صَنْعَتِهِ، وَ أَعْلاَمُ حِكْمَتِهِ، فَصَارَ كُلُّ مَا خَلَقَ حُجَّةً لَهُ، وَ دَلیلاً عَلَیْهِ، وَ إِنْ كَانَ خَلْقَاً صَامِتاً فَحُجَّتُهُ بِالتَّدْبیرِ نَاطِقَةٌ، وَ دَلاَلَتُهُ عَلَی الْمُبْدِعِ قَائِمَةٌ. فَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ شَبَّهَكَ[42] بِتَبَایُنِ أَعْضَاءِ خَلْقِكَ، وَ تَلاَحُمِ حِقَاقِ مَفَاصِلِهِمُ الْمُحْتَجِبَةِ لِتَدْبیرِ حِكْمَتِكَ، لَمْ یَعْقِدْ غَیْبَ[43] ضَمیرِهِ عَلی مَعْرِفَتِكَ، وَ لَمْ یُبَاشِرْ قَلْبَهُ[44] الْیَقینُ بِأَنَّهُ لاَ نِدَّ لَكَ. وَ كَأَنَّهُ[45] لَمْ یَسْمَعْ تَبَرُّأَ التَّابِعینَ مِنَ الْمَتْبُوعینَ، إِذْ یَقُولُونَ: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفی ضَلاَلٍ مُبینٍ إِذْ نُسَوّیكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمینَ[46]. كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِكَ، إِذْ شَبَّهُوكَ بِأَصْنَامِهِمْ، وَ نَحَلُوكَ حِلْیَةَ الْمَخْلُوقینَ بِأَوْهَامِهِمْ، وَ جَزَّأُوكَ تَجْزِئَةَ الْمُجَسَّمَاتِ بِتَقْدیرٍ مُنْتَجٍ مِنْ[47] خَوَاطِرِهِمْ، وَ قَدَّرُوكَ عَلَی الْخِلْقَةِ الْمُخْتَلِفَةِ الْقُوی بِقَرَائِحِ عُقُولِهِمْ. وَ كَیْفَ یَكُونُ مَنْ لاَ یُقْدَرُ قَدْرُهُ مُقَدَّراً فی رَوِیَّاتِ الأَوْهَامِ، وَ قَدْ ضَلَّتْ فی إِدْرَاكِ كُنْهِهِ هَوَاجِسُ الأَحْلاَمِ[48]، لأَنَّهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ تَحُدَّهُ أَلْبَابُ الْبَشَرِ بِتَفْكیرٍ، أَوْ تُحیطَ بِهِ الْمَلاَئِكَةُ عَلی قُرْبِهِمْ مِنْ مَلَكُوتِ عِزَّتِهِ بِتَقْدِیرٍ، وَ هُوَ أَعْلی مِنْ أَنْ یَكُونَ لَهُ كُفْوٌ فَیُشَبَّهَ بِنَظیرٍ[49]. [صفحه 69] وَ أَشْهَدُ أَنَّ مَنْ سَاوَاكَ، رَبَّنَا،[50] بِشَیْ ءٍ مِنْ خَلْقِكَ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ، وَ الْعَادِلُ[51] كَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ[52] بِهِ مُحْكَمَاتُ آیَاتِكَ، وَ نَطَقَتْ عَنْهُ[53] شَوَاهِدُ حُجَجِ بَیِّنَاتِكَ. فَإِنَّكَ[54] أَنْتَ اللَّهُ الَّذی لَمْ تَتَنَاهَ فِی الْعُقُولِ فَتَكُونَ فی مَهَبِّ فِكْرِهَا مُكَیَّفاً، وَ لاَ فی رَوِیَّاتِ[55] خَوَاطِرِهَا[56] فَتَكُونَ مَحْدُوداً[57] مُصَرَّفاً. فَسُبْحَانَهُ وَ تَعَالی عَنْ جَهْلِ الْمَخْلُوقینَ. وَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالی عَنْ إِفْكِ الْجَاهِلینَ. فَأَیْنَ یُتَاهُ بِأَحَدِكُمْ، وَ أَیْنَ یُدْرِكُ مَا لاَ یُدْرَكُ؟. وَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ[58]. قَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْكَمَ تَقْدیرَهُ، وَ دَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبیرَهُ[59]، وَ وَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ یَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ، وَ لَمْ یَقْصُرْ دُونَ الاِنْتِهَاءِ إِلی غَایَتِهِ، وَ لَمْ یَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ[60] بِالْمُضِیِّ عَلی إِرَادَتِهِ، فَكَیْفَ وَ إِنَّمَا صَدَرَتِ الأُمُورُ عَنْ مَشیئَتِهِ. هُوَ الْمُنْشِئُ أَصْنَافَ الأَشْیَاءِ بِلاَ رَوِیَّةِ فِكْرٍ آلَ[61] إِلَیْهَا، وَ لاَ قَریحَةِ غَریزَةٍ أَضْمَرَ عَلَیْهَا، وَ لاَ تَجْرِبَةٍ أَفَادَهَا مِنْ حَوَادِثِ الدُّهُورِ، وَ لاَ شَریكٍ أَعَانَهُ عَلَی ابْتِدَاعِ عَجَائِبِ الأُمُورِ، وَ لاَ مُعَانَاةٍ لِلُغُوبٍ [صفحه 70] مَسَّهُ، وَ لاَ مُكَاءَدَةٍ[62] لِمُخَالِفٍ عَلی أَمْرِهِ[63]، فَتَمَّ خَلْقُهُ[64]، وَ أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ، وَ أَجَابَ إِلی دَعْوَتِهِ، وَ وَافَی الْوَقْتَ الَّذی أَخْرَجَهُ إِلَیْهِ إِجَابَةً[65]، لَمْ یَعْتَرِضْ دُونَهُ رَیْثُ الْمُبْطِئِ، وَ لاَ أَنَاةُ الْمُتَلَكِّئِ. فَأَقَامَ مِنَ الأَشْیَاءِ أَوَدَهَا، وَ نَهَجَ مَعَالِمَ[66] حُدُودِهَا[67]، وَ لاَءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَیْنَ مُتَضَادِّهَا، وَ وَصَلَ أَسْبَابَ قَرَائِنِهَا، وَ خَالَفَ بَیْنَ أَلْوَانِهَا[68]، وَ فَرَّقَهَا أَجْنَاساً مُخْتَلِفَاتٍ فِی الْحُدُودِ وَ الأَقْدَارِ[69]، وَ الْغَرَائِزِ وَ الْهَیَئَاتِ، بَدَایَا[70] خَلاَئِقَ أَحْكَمَ صُنْعَهَا، وَ فَطَرَهَا عَلی مَا أَرَادَ وَ ابْتَدَعَهَا. إِنْتَظَمَ عِلْمُهُ صُنُوفَ ذَرْئِهَا، وَ أَدْرَكَ تَدْبیرُهُ حُسْنَ تَقْدیرِهَا[71]، وَ نَظَّمَ بِلاَ تَعْلیقٍ رَهَوَاتِ[72] فُرَجِهَا، وَ لاَحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا، وَ وَشَّجَ[73] بَیْنَهَا وَ بَیْنَ أَزْوَاجِهَا، وَ ذَلَّلَ لِلْهَابِطینَ بِأَمْرِهِ وَ الصَّاعِدینَ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ حُزُونَةَ مِعْرَاجِهَا، وَ نَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِیَ دُخَانٌ مُبینٌ، فَالْتَحَمَتْ عُری أَشْرَاجِهَا، وَ فَتَقَ بَعْدَ الاِرْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا، وَ أَقَامَ رَصَداً مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ عَلی نِقَابِهَا، وَ أَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تَمُورَ فی خَرْقِ الْهَوَاءِ بِأَیْدِهِ[74]، وَ أَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لأَمْرِهِ. وَ جَعَلَ شَمْسَهَا آیَةً مُبْصِرَةً لِنَهَارِهَا، وَ قَمَرَهَا آیَةً مَمْحُوَّةً مِنْ لَیْلِهَا، فَأَجْرَاهُمَا[75] فی مَنَاقِلِ مَجْرَاهُمَا، وَ قَدَّرَ مَسیرَهُمَا[76] فی مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا، لِیُمَیَّزَ بَیْنَ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ بِهِمَا، وَ لِیُعْلَمَ عَدَدُ [صفحه 71] السِّنینَ وَ الْحِسَابِ بِمَقَادیرِهِمَا. ثُمَّ عَلَّقَ فی جَوِّهَا فَلَكَهَا[77]، وَ نَاطَ بِهَا زینَتَهَا، مِنْ خَفِیَّاتِ دَرَاریِّهَا، وَ مَصَابِیحِ كَوَاكِبِهَا، وَ رَمی مُسْتَرِقِی السَّمْعِ بِثَوَاقِبِ شُهُبِهَا، وَ أَجْرَاهَا عَلی أَذْلاَلِ تَسْخیرِهَا، مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا، وَ مَسیرِ سَائِرِهَا، وَ هُبُوطِهَا وَ صُعُودِهَا، وَ نُحُوسِهَا وَ سُعُودِهَا. ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ[78] سُبْحَانَهُ لإِسْكَانِ سَموَاتِهِ، وَ عِمَارَةِ الصَّفیحِ الأَعْلی مِنْ مَلَكُوتِهِ، خَلْقاً بَدیعاً مِنْ مَلاَئِكَتِهِ، مَلَأَ[79] بِهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا، وَ حَشَابِهِمْ فُتُوقَ أَجْوَائِهَا، وَ بَیْنَ فَجَوَاتِ تِلْكَ الْفُرُوجِ زَجَلَ الْمُسَبِّحینَ مِنْهُمْ فی حَظَائِرِ الْقُدْسِ، وَ سُتُرَاتِ الْحُجُبِ، وَ سُرَادِقَاتِ الْمَجْدِ، وَ وَرَاءَ ذَلِكَ الرَّجیجِ الَّذی تَسْتَكُّ مِنْهُ الأَسْمَاعُ سُبُحَاتُ نُورٍ تَرْدَعُ الأَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا، فَتَقِفُ خَاسِئَةً عَلی حُدُودِهَا. أَنْشَأَهُمْ عَلی صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ، وَ أَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ، أُولی أجْنِحَةٍ[80] تُسَبِّحُ جَلاَلَ عِزَّتِهِ، لاَ یَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِی الْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ[81]، وَ لاَ یَدَّعُونَ أَنَّهُمْ یَخْلُقُونَ شَیْئَاً مَعَهُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ، بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لاَ یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ[82] جَعَلَهُمْ اللَّهُ فیمَا هُنَالِكَ أَهْلَ الأَمَانَةِ عَلی وَحْیِهِ، وَ حَمَّلَهُمْ إِلَی الْمُرْسَلینَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ وَ نَهْیِهِ، وَ عَصَمَهُمْ مِنْ رَیْبِ الشُّبُهَاتِ، فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبیلِ مَرْضَاتِهِ، وَ أَمَدَّهُمْ. بِفَوَائِدِ الْمَعُونَةِ، وَ أَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّكینَةِ، وَ فَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلاً إِلی تَمْجِیدِهِ[83]، وَ نَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلی أَعْلاَمِ تَوْحیدِهِ. لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُوصِرَاتُ الآثَامِ، وَ لَمْ تَرْتَحِلْهُمْ[84] عُقَبُ اللَّیَالی وَ الأَیَّامِ، وَ لَمْ تَرْمِ الشُّكُوكُ [صفحه 72] بِنَوَازِعِهَا[85] عَزیمَةَ إیمَانِهِمْ، وَ لَمْ تَعْتَرِكِ الظُّنُونُ عَلی مَعَاقِدِ یَقینِهِمْ، وَ لاَ قَدَحَتْ قَادِحَةُ الإِحَنِ فیمَا بَیْنَهُمْ، وَ لاَ سَلَبَتْهُمُ الْحَیْرَةُ مَا لاَقَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِضَمَائِرِهِمْ، وَ[86] سَكَنَ مِنْ عَظَمَتِهِ وَ هَیْبَةِ جَلاَلَتِهِ فی أَثْنَاءِ صُدُورِهِمْ، وَ لَمْ تَطْمَعْ فیهِمُ الْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ بِرَیْنِهَا[87] عَلی فِكْرِهِمْ. مِنْهُمْ مَنْ هُوَ فی خَلْقِ الْغَمَامِ الدُّلَّخِ[88]، وَ فی عِظَمِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ، وَ فی قَتْرَةِ[89] الظَّلاَمِ الأَیْهَمِ[90]. وَ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ خَرَقَتْ أَقْدَامُهُمْ تُخُومَ الأَرْضِ السُّفْلی، فَهِیَ كَرَایَاتٍ بیضٍ قَدْ نَفَذَتْ فی مَخَارِقِ الْهَوَاءِ، وَ تَحْتَهَا ریحٌ هَفَّافَةٌ تَحْبِسُهَا عَلی حَیْثُ انْتَهَتْ مِنَ الْحُدُودِ الْمُتَنَاهِیَةِ. قَدِ اسْتَفْرَغَتْهُمْ أَشْغَالُ عِبَادَتِهِ، وَ وَسَّلَتْ[91] حَقَائِقُ الإیمَانِ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ مَعْرِفَتِهِ، وَ قَطَعَهُمُ الإِیقَانُ بِهِ إِلَی الْوَلَهِ إِلَیْهِ، وَ لَمْ تُجَاوِزْ[92] رَغَبَاتُهُمْ مَا عِنْدَهُ إِلی مَا عِنْدَ غَیْرِهِ. قَدْ ذَاقُوا حَلاَوَةَ مَعْرِفَتِهِ، وَ شَرِبُوا بِالْكَأْسِ الرَّوِیَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِ، وَ تَمَكَّنَتْ مِنْ سُوَیْدَاءِ قُلُوبِهِمْ وَشیجَةُ[93] خیفَتِهِ، فَحَنَوْا بِطُولِ الطَّاعَةِ اعْتِدَالَ ظُهُورِهِمْ، وَ لَمْ یُنْفِدْ طُولُ الرَّغْبَةِ إِلَیْهِ مَادَّةَ تَضَرُّعِهِمْ، وَ لاَ أَطْلَقَ عَنْهُمْ عَظیمُ الزُّلْفَةِ رِبَقَ خُشُوعِهِمْ، وَ لَمْ یَتَوَلَّهُمُ الاِعْجَابُ فَیَسْتَكْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ، وَ لاَ تَرَكَتْ لَهُمْ إِسْتِكَانَةُ الإِجْلاَلِ نَصیباً فی تَعْظیمِ حَسَنَاتِهِمْ، وَ لَمْ تَجْرِ الْفَتَرَاتُ فیهِمْ عَلی طُولِ دُؤُوبِهِمْ، وَ لَمْ تَغِضْ رَغَبَاتُهُمْ فَیُخَالِفُوا عَنْ رَجَاءِ رَبِّهِمْ، وَ لَمْ تَجِفَّ لِطُولِ الْمُنَاجَاةِ أَسْلاَتُ أَلْسِنَتِهِمْ، وَ لاَ مَلَكَتْهُمُ الأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْسِ الْجُؤَارِ[94] إِلَیْهِ أَصْوَاتُهُمْ، وَ لَمْ تَخْتَلِفْ فی مَقَاوِمِ[95]. [صفحه 73] الطَّاعَةِ مَنَاكِبُهُمْ، وَ لَمْ یَثْنُوا إِلی رَاحَةِ التَّقْصیرِ فی أَمْرِهِ رِقَابَهُمْ، وَ لاَ تَعْدُو عَلی عَزیمَةِ جِدِّهِمْ بَلاَدَةُ الْغَفَلاَتِ، وَ لاَ تَنْتَضِلُ فی هِمَمِهِمْ خَدَائِعُ الشَّهَوَاتِ. قَدِ اتَّخَذُوا ذَا الْعَرْشِ ذَخیرَةً لِیَوْمِ فَاقَتِهِمْ، وَ یَمَّمُوهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْخَلْقِ إِلَی الْمَخْلُوقینَ بِرَغْبَتِهِمْ. لاَ یَقْطَعُونَ أَمَدَ غَایَةِ عِبَادَتِهِ[96]، وَ لاَ یَرْجِعُ بِهِمُ الاِسْتِهْتَارُ بِلُزُومِ طَاعَتِهِ إِلاَّ إِلی مَوَادَّ مِنْ قُلُوبِهِمْ غَیْرِ مُنْقَطِعَةٍ مِنْ رَجَائِهِ وَ مَخَافَتِهِ. لَمْ تَنْقَطِعْ أَسْبَابُ الشَّفَقَةِ مِنْهُمْ فَیَنُوا فی جِدِّهِمْ، وَ لَمْ تَأْسِرْهُمُ الأَطْمَاعُ فَیُؤْثِرُوا وَشیكَ السَّعْیِ عَلَی اجْتِهَادِهِمْ، وَ لَمْ یَسْتَعْظِمُوا مَا مَضی مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَ لَوِ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ لَنَسَخَ الرَّجَاءُ مِنْهُمْ شَفَقَاتِ وَجَلِهِمْ، وَ لَمْ یَخْتَلِفُوا فی رَبِّهِمْ بِاسْتِحْوَاذِ الشَّیْطَانِ عَلَیْهِمْ، وَ لَمْ یُفَرِّقْهُمْ سُوءُ التَّقَاطُعِ، وَ لاَ تَوَلاَّهُمْ غِلُّ التَّحَاسُدِ، وَ لاَ تَشَعَّبَتْهُمْ[97] مَصَارِفُ الرَّیْبِ، وَ لاَ اقْتَسَمَتْهُمْ أَخْیَافُ الْهِمَمِ، فَهُمْ أُسَرَاءُ إیمَانٍ لَمْ یَفُكَّهُمْ مِنْ رِبْقَتِهِ زَیْغٌ وَ لاَ عُدُولٌ، وَ لاَ وَنیً وَ لاَ فُتُورٌ. وَ لَیْسَ فی أَطْبَاقِ السَّموَاتِ مَوْضِعُ إِهَابٍ اِلاَّ وَ عَلَیْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ، أَوْ سَاعٍ حَافِدٌ، یَزْدَادُونَ عَلی طُولِ الطَّاعَةِ بِرَبِّهِمْ عِلْماً، وَ تَزْدَادُ عِزَّةُ رَبِّهِمْ فی قُلُوبِهِمْ عِظَماً. [ وَ ] كَبَسَ الأَرْضَ عَلی مَوْرِ أَمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَةٍ، وَ لُجَجِ بِحَارٍ زَاخِرَةٍ، تَلْتَطِمُ أَوَاذِیُّ أَمْوَاجِهَا، وَ تَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَتْبَاجِهَا، وَ تَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِیَاجِهَا، فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلاَطِمِ لِثِقْلِ حَمْلِهَا، وَ سَكَنَ هَیْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِهَا، وَ ذَلَّ مُسْتَخْذِیاً إِذْ تَمَعَّكَتْ عَلَیْهِ بِكَوَاهِلِهَا، فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ سَاجِیاً مَقْهُوراً، وَ فی حَكَمَةِ الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسیراً. وَ سَكَنَتِ الأَرْضُ مَدْحُوَّةً فی لُجَّةِ تَیَّارِهِ، وَ رَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ[98] وَ اعْتِلاَئِهِ، وَ شُمُوخِ أَنْفِهِ وَ سُمُوِّ غُلَوَائِهِ، وَ كَعَمَتْهُ عَلی كِظَّةِ جَرْیَتِهِ، فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقَاتِهِ[99]، وَ لَبَدَ بَعْدَ زَیَفَانِ وَ ثَبَاتِهِ. فَلَمَّا سَكَنَ هَیْجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا، وَ حَمَلَ شَوَاهِقَ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ الْبُذَّخِ عَلی أَكْتَافِهَا، فَجَّرَ یَنَابیعَ الْعُیُونِ مِنْ عَرَانینِ أُنُوفِهَا، وَ فَرَّقَهَا فی سُهُوبِ بیدِهَا وَ أَخَادیدِهَا، وَ عَدَّلَ حَرَكَاتِهَا [صفحه 74] بِالرَّاسِیَاتِ مِنْ جَلاَمیدِهَا، وَ ذَوَاتِ الشَّنَاخیبِ الشُّمِّ[100] مِنْ صَیَاخیدِهَا، فَسَكَنَتْ مِنَ الْمَیَدَانِ لِرُسُوبِ[101] الْجِبَلِ فِی قِطَعِ أَدیمِهَا، وَ تَغَلْغُلِهَا مُتَسَرِّبَةً فی جَوْبَاتِ خَیَاشیمِهَا، وَ رَكُوبِهَا أَعْنَاقَ سُهُولِ الأَرَضینَ وَ جَرَاثیمِهَا، وَ فَسَحَ[102] بَیْنَ الْجَوِّ وَ بَیْنَهَا، وَ أَعَدَّ الْهَوَاءَ مُتَنَسَّماً لِسَاكِنِهَا، وَ أَخْرَجَ إِلَیْهَا أَهْلَهَا عَلی تَمَامِ مَرَافِقِهَا. ثُمَّ لَمْ یَدَعْ جُرُزَ[103] الأَرْضِ الَّتی تَقْصُرُ مِیَاهُ الْعُیُونِ عَنْ رَوَابیهَا[104]، وَ لاَ تَجِدُ جَدَاوِلُ الأَنْهَارِ ذَریعَةً إِلی بُلُوغِهَا، حَتَّی أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَةَ سَحَابٍ تُحْیی مَوَاتَهَا، وَ تَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا، أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ افْتِرَاقِ لُمَعِهِ، وَ تَبَایُنِ قُزَعِهِ، حَتَّی إِذَا تَمَخَّضَتْ لُجَّةُ الْمُزْنِ فیهِ، وَ الْتَمَعَ بَرْقُهُ فی كُفَفِهِ[105]، وَ لَمْ یَنَمْ وَ میضُهُ فی كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ، وَ مُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ. أَرْسَلَهُ سَحّاً مُتَدَارِكاً، قَدْ أَسَفَّ هَیْدَبُهُ، تَمْریهِ[106] الْجَنُوبُ دِرَرَ أَهَاضیبِهِ، وَ دَفْعَ شَآبیبِهِ. فَلَمَّا أَلْقَتِ السَّحَابُ بَرْكَ بَوَانیهَا، وَ بَعَاعَ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْ ءِ الْمَحْمُولِ عَلَیْهَا، أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ الأَرْضِ النَّبَاتَ، وَ مِنْ زُعْرِ الْجِبَالِ الأَعْشَابَ، فَهِیَ تَبْهَجُ بِزینَةِ رِیَاضِهَا، وَ تَزْدَهی بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَیْطِ أَزَاهیرِهَا، وَ حِلْیَةِ مَا سُمِطَتْ[107] بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا، وَ جَعَلَ ذَلِكَ بَلاَغاً لِلأَنَامِ، وَ رِزْقاً لِلأَنْعَامِ، وَ خَرَقَ الْفِجَاجَ فی آفَاقِهَا، وَ أَقَامَ الْمَنَارَ لِلسَّالِكینَ عَلی جَوَادِّ طُرُقِهَا. وَ قَدَّرَ الأَرْزَاقَ فَكَثَّرَهَا وَ قَلَّلَهَا، وَ قَسَّمَهَا عَلَی الضیقِ وَ السَّعَةِ، فَعَدَلَ فیهَا لِیَبْتَلِیَ مَنْ أَرَادَ بِمَیْسُورِهَا وَ مَعْسُورِهَا، وَ لِیَخْتَبِرَ بِذَلِكَ الشُّكْرَ وَ الصَّبْرَ مِنْ غَنِیِّهَا وَ فَقیرِهَا. ثُمَّ قَرَنَ سُبْحَانَهُ بِسَعَتِهَا عَقَابیلَ فَاقَتِهَا، وَ بِسَلاَمَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا، وَ بِفُرَجِ أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا. [صفحه 75] وَ خَلَقَ الآجَالَ فَأَطَالَهَا وَ قَصَّرَهَا، وَ قَدَّمَهَا وَ أَخَّرَهَا، وَ وَصَلَ بِالْمَوْتِ أَسْبَابَهَا، وَ جَعَلَهُ خَالِجاً لأَشْطَانِهَا، وَ قَاطِعاً لِمَرَائِرِ أَقْرَانِهَا. عَالِمُ السِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُضْمِرینَ، وَ نَجْوَی الْمُتَخَافِتینَ، وَ خَوَاطِرِ رَجْمِ الظُّنُونِ، وَ عُقَدِ عَزیمَاتِ الْیَقینِ، وَ مَسَارِقِ إیمَاضِ الْجُفُونِ، وَ مَا ضَمِنَتْهُ أَكْنَانُ الْقُلُوبِ وَ غَیَابَاتُ الْغُیُوبِ، وَ مَا أَصْغَتْ لاسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ الأَسْمَاعِ، وَ مَصَائِفِ الذَّرِّ، وَ مَشَاتِی الْهَوَامِّ، وَ رَجْعِ الْحَنینِ مِنَ الْمُولَهَاتِ، وَ هَمْسِ الأَقْدَامِ، وَ مُنْفَسَحِ الثَّمَرَةِ مِنْ وَلاَئِجِ غُلُفِ الأَكْمَامِ، وَ مُنْقَمَعِ الْوُحُوشِ مِنْ غیرَانِ الْجِبَالِ وَ أَوْدِیَتِهَا، وَ مُخْتَبَأِ الْبَعُوضِ بَیْنَ سُوقِ الأَشْجَارِ وَ أَلْحِیَتِهَا، وَ مَغْرِزِ الأَوْرَاقِ مِنَ الأَفْنَانِ، وَ مَحَطِّ الأَمْشَاجِ مِنْ مَسَارِبِ الأَصْلاَبِ، وَ نَاشِئَةِ الْغُیُومِ وَ مُتَلاَحِمِهَا، وَ دُرُورِ قَطْرِ السَّحَابِ فی مُتَرَاكِمِهَا، وَ مَا تَسْفِی الأَعَاصیرُ بِذُیُولِهَا، وَ تَعْفُو الأَمْطَارُ بِسُیُولِهَا، وَ عَوْمِ[108] نَبَاتِ الأَرْضِ فی كُتْبَانِ الرِّمَالِ، وَ مُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ الأَجْنِحَةِ بِذُری شَنَاخیبِ الْجِبَالِ، وَ تَغْریدِ ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ[109] فی دَیَاجیرِ الأَوْكَارِ، وَ مَا أَوْعَبَتْهُ[110] الأَصْدَافُ، وَ حَضَنَتْ عَلَیْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ، وَ مَا غَشِیَتْهُ[111] سُدْفَةُ لَیْلٍ، أَوْ ذَرَّ عَلَیْهِ شَارِقُ نَهَارٍ، وَ مَا اعْتَقَبَتْ عَلَیْهِ أَطْبَاقُ الدَّیَاجیرِ، وَ سُبُحَاتُ النُّورِ، وَ أَثَرِ كُلِّ خَطْوَةٍ، وَ حِسِّ كُلِّ حَرَكَةٍ، وَ رَجْعِ كُلِّ كَلِمَةٍ، وَ تَحْریكِ كُلِّ شَفَةٍ، وَ مُسْتَقَرِّ كُلِّ نَسَمَةٍ، وَ مِثْقَالِ كُلِّ ذَرَّةٍ، وَ هَمَاهِمِ كُلِّ نَفْسٍ هَامَّةٍ، وَ مَا عَلَیْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةٍ، أَوْ سَاقِطِ وَرَقةٍ، أَوْ قَرَارَةِ نُطْفَةٍ، أَوْ نُقَاعَةِ دَمٍ وَ مُضْغَةٍ، أَوْ نَاشِئَةِ خَلْقٍ وَ سُلاَلَةٍ. لَمْ تَلْحَقْهُ فی ذَلِكَ كُلِّهِ كُلْفَةٌ، وَ لاَ اعْتَرَضَتْهُ فی حِفْظِ مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ، وَ لاَ اعْتَوَرَتْهُ فی تَنْفیذِ الأُمُورِ وَ تَدَابیرِ الْمَخْلُوقینَ مَلاَلَةٌ وَ لاَ فَتْرَةٌ، بَلْ نَفَذَهُمْ[112] عِلْمُهُ، وَ أَحْصَاهُمْ عَدُّهُ[113]، وَ وَسِعَهُمْ عَدْلُهُ، وَ غَمَرَهُمْ فَضْلُهُ، مَعَ تَقْصیرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ. فَلَمَّا مَهَّدَ أَرْضَهُ، وَ أَنْفَذَ أَمْرَهُ، اخْتَارَ آدَمَ عَلَیْهِ السَّلامُ خِیَرَةً مِنْ خَلْقِهِ، وَ جَعَلَهُ أَوَّلَ جِبِلَّتِهِ، [صفحه 76] وَ أَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ، وَ أَرْغَدَ فیهَا أُكُلَهُ، وَ أَوْعَزَ إِلَیْهِ فیمَا نَهَاهُ عَنْهُ، وَ أَعْلَمَهُ أَنَّ فِی الإِقْدَامِ عَلَیْهِ التَّعَرُّضَ لِمَعْصِیَتِهِ، وَ الْمُخَاطَرَةَ بِمَنْزِلَتِهِ. فَأَقْدَمَ عَلی مَا نَهَاهُ عَنْهُ مُوافَاةً[114] لِسَابِقِ عِلْمِهِ، فَأَهْبَطَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِیَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ، وَ لِیُقیمَ الْحُجَّةَ بِهِ عَلی عِبَادِهِ. وَ لَمْ یُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِمَّا یُؤَكِّدُ عَلَیْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِیَّتِهِ، وَ یَصِلُ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ مَعْرِفَتِهِ، بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلی أَلْسُنِ الْخِیَرَةِ مِنْ أَنْبِیَائِهِ، وَ مُتَحَمِّلی وَ دَائِعِ رِسَالاَتِهِ، قَرْناً فَقَرْناً. فَاسْتَوْدَعَهُمْ فی أَفْضَلِ مُسْتَوْدَعٍ، وَ أَقَرَّهُمْ فی خَیْرِ مُسْتَقَرٍّ، تَنَاسَخَتْهُمْ[115] كَرَائِمُ الأَصْلاَبِ إِلی مُطَهَّرَاتِ الأَرْحَامِ، كُلَّمَا مَضی سَلَفٌ قَامَ مِنْهُمْ بِدینِ اللَّهِ خَلَفٌ. حَتَّی أَفْضَتْ كَرَامَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالی إِلی مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً[116]، وَ أَعَزِّ الأَرُومَاتِ مَغْرِساً. مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتی صَدَعَ[117] مِنْهَا أَنْبِیَاءَهُ، وَ انْتَخَبَ[118] مِنْهَا أُمَنَاءَهُ، الطَّیِّبَةِ الْعُودِ، الْمُعْتَدِلَةِ الْعَمُودِ، الْبَاسِقَةِ الْفُرُوعِ، النَّاضِرَةِ الْغُصُونِ، الْیَانِعَةِ الثِّمَارِ، الْكَریمَةِ الْحَشَاءِ[119]. عِتْرَتُهُ خَیْرُ الْعِتَرِ، وَ أُسْرَتُهُ خَیْرُ الأُسَرِ، وَ شَجَرَتُهُ خَیْرُ الشَّجَرِ، نَبَتَتْ فی حَرَمٍ، وَ بَسَقَتْ فی كَرَمٍ، وَ فیهِ تَشَعَّبَتْ وَ أَثْمَرَتْ، وَ عَزَّتْ وَ امْتَنَعَتْ، فَسَمَتْ بِهِ وَ شَمَخَتْ[120]. لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ، وَ ثَمَرٌ لا یُنَالُ[121]. مُسْتَقَرُّهُ خَیْرُ مُسْتَقَرٍّ، وَ مَنْبِتُهُ أَشْرَفُ مَنْبِتٍ، فی مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ، وَ مَمَاهِدِ السَّلاَمَةِ. [صفحه 77] حَتَّی أَكْرَمَهْ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ بِالرُّوحِ الأَمینِ، وَ النُّورِ الْمُبینِ، وَ الْكِتَابِ الْمُسْتَبینِ، فَخَتَمْ بِهِ النَّبِیّین، وَ أَتَمَّ بِهِ عِدَّةَ الْمُرْسَلینَ، وَ جَعَلَهُ خَلیفَتَهُ عَلی عِبَادِهِ، وَ أَمینَهُ فی بِلاَدِهِ. زَیَّنَهُ بِالتَّقْوی، وَ آثَارِ الذِّكْری، وَ سَخَّرَ لَهُ الْبُرَاقَ، وَ صَافَحَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ، وَ أَرْعَبَ بِهِ الأَبَالِسَةَ، وَ هَدَمَ بِهِ الأَصْنَامَ وَ الآلِهَةِ الْمَعْبُودَةَ دُونَهُ[122]. قَدْ صُرِفَتْ نَحْوَهُ أَفْئِدَةُ الأَبْرَارِ، وَ ثُنِیَتْ إِلَیْهِ أَزِمَّةُ الأَبْصَارِ. دَفَنَ اللَّهُ بِهِ الضَّغَائِنَ، وَ أَطْفَأَ بِهِ النَّوَائِرَ[123]، أَلَّفَ بِهِ إِخْوَانَاً، وَ فَرَّقَ[124] بِهِ أَقْرَاناً، وَ أَعَزَّ بِهِ الذِّلَّةَ، وَ أَذَلَّ بِهِ الْعِزَّةَ. حَتَّی تَمَّتْ بِنَبِیِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ حُجَّتُهُ، وَ بَلَغَ الْمَقْطَعَ عُذُرُهُ وَ نُذُرُهُ. كَلاَمُهُ بَیَانٌ، وَ صَمْتُهُ لِسَانٌ، فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقی، وَ بَصیرَةُ مَنِ اهْتَدی. سِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ، وَ شِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ، وَ زَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُهُ، فَاسْتَضَاءَتْ بِهِ الْعِبَادُ، وَ اسْتَنَارَتْ بِهِ الْبِلاَدُ[125]. سیرَتُهُ الْقَصْدُ[126]، وَ سُنَّتُهُ الرُّشْدُ، وَ كَلاَمُهُ الْفَصْلُ، وَ حُكْمُهُ الْعَدْلُ[127]. صَدَعَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِمَا أَمَرَهُ رَبُّهُ، وَ بَلَّغَ مَا حَمَّلَهُ، حَتَّی أَفْصَحَ بِالتَّوْحیدِ دَعْوَتُهُ، وَ أَظْهَرَ فِی الْخَلْقِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَریكَ لَهُ، وَ خَلُصَتْ لَهُ الْوَحْدَانِیَّةُ، وَ صَفَتْ لَهُ الرُّبُوبِیَّةُ. وَ أَظْهَرَ اللَّهُ بِالتَّوْحیدِ حُجَّتَهُ، وَ أَعْلی بِالإِسْلاَمِ دَرَجَتَهُ، وَ اخْتَارَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِنَبِیِّهِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الرَّوْحِ وَ الدَّرَجَةِ وَ الْوَسیلَةِ. اَللَّهُمَّ فَخُصَّ مُحَمَّداً بِالذِّكْرِ الْمَحْمُودِ، وَ الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ، وَ آتِهِ الْوَسیلَةَ وَ الْفَضیلَةَ، وَ اجْعَلْ فِی الْمُصْطَفَیْنَ مَحَلَّتَهُ، وَ فِی الأَعْلَیْنَ دَرَجَتَهُ، وَ شَرِّفْ بُنْیَانَهُ، وَ عَظِّمْ بُرْهَانَهُ، وَ اسْقِنَا بِكَأْسِهِ، وَ أَوْرِدْنَا [صفحه 78] حَوْضَهُ، وَ احْشُرْنَا فی زُمْرَتِهِ، غَیْرَ خَزَایَا وَ لاَ نَاكِثینَ، وَ لاَ شَاكّینَ وَ لاَ مُرْتَابینَ، وَ لاَ ضَالّینَ وَ لاَ مَفْتُونینَ، وَ لاَ مُبَدِّلینَ وَ لاَ حَائِدینَ. اَللَّهُمَّ أَعْطِ مُحَمَّداً مِنْ كُلِّ كَرَامَةٍ أَفْضَلَهَا، وَ مِنْ كُلِّ نَعیمٍ أَكْمَلَهُ، وَ مِنْ كُلِّ عَطَاءٍ أَجْزَلَهُ، وَ مِنْ كُلِّ قَسْمٍ أَتَمَّهُ، حَتَّی لاَ یَكُونَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِكَ أَقْرَبَ مِنْكَ مَكَاناً، وَ لاَ أَحْظی عِنْدَكَ مَنْزِلَةً، وَ لاَ أَقْرَبَ إِلَیْكَ وَسیلَةً، وَ لاَ أَعْظَمَ عَلَیْكَ حَقّاً وَ لاَ شَفَاعَةً، مِنْ مُحَمَّدٍ [ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ ]، وَ اجْمَعْ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُ فی ظِلِّ الْعَیْشِ، وَ بَرْدِ الرَّوْحِ، وَ قُرَّةِ الأَعْیُنِ، وَ نُضْرَةِ السُّرُورِ، وَ بَهْجَةِ النَّعیمِ. فَإِنَّا نَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَ أَدَّی الأَمَانَةَ، وَ اجْتَهَدَ لِلأُمَّةِ، وَ جَاهَدَ فی سَبیلِكَ، وَ أُوذِیَ فی جَنْبِكَ، وَ لَمْ یَخَفْ لَوْمَةَ لاَئِمٍ فی دینِكَ، وَ عَبَدَكَ حَتَّی أَتَاهُ الْیَقینَ. اَللَّهُمَّ رَبَّ الْبَیْتِ الْحَرَامِ، وَ رَبَّ الْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَ رَبَّ الرُّكْنِ وَ الْمَقَامِ، وَ رَبَّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، بَلِّغْ مُحَمَّداً مِنَّا السَّلاَمَ. اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلی مَلاَئِكَتِكَ الْمُقَرَّبینَ، وَ عَلی أَنْبِیَائِكَ الْمُرْسَلینَ، وَ عَلَی الْحَفَظَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبینَ. وَ صَلَّی اللَّهُ عَلی أَهْلِ السَّموَاتِ وَ أَهْلِ الأَرَضینَ مِنَ الْمُؤْمِنینَ. [ أَیُّهَا النَّاسُ، ] وَ فیكُمْ مَنْ یَخْلُفُ مِنْ نَبِیِّكُمْ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمْ لَنْ تَضِلُّوا، وَ هُمُ الدُّعَاةُ، وَ بِهِمُ النَّجَاةُ، وَ هُمْ أَرْكَانُ الأَرْضِ، وَ هُمُ النُّجُومُ بِهِمْ یُسْتَضَاءُ، مِنْ شَجَرَةٍ طَابَ فَرْعُهَا، وَ زَیْتُونَةٍ بُورِكَ أَصْلُهَا، مِنْ خَیْرِ مُسْتَقَرٍّ إِلی خَیْرِ مُسْتَوْدَعٍ، مِنْ مُبَارَكٍ إِلی مُبَارَكٍ، صَفَتْ مِنَ الأَقْذَارِ وَ الأَدْنَاسِ، وَ مِنْ قَبیحِ مَا نَبَتَ عَلَیْهِ أَشْرَارُ النَّاسِ. حَسَرَتْ عَنْ صِفَاتِهِمُ الأَلْسُنُ، وَ قَصُرَتْ عَنْ بُلُوغِهِمُ الأَعْنَاقُ، وَ بِالنَّاسِ إِلَیْهِمْ حَاجَةٌ. فَاخْلُفُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فیهِمْ بِأَحْسَنِ الْخِلاَفَةِ، فَقَدْ أَخْبَرَكُمْ أَنَّهُمْ وَ الْقُرْآنُ الثَّقَلاَنِ، وَ أَنَّهُمَا « لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ ». فَالْزَمُوهُمْ تَهْتَدُوا وَ تَرْشُدُوا، وَ لاَ تَتَفَرَّقُوا عَنْهُمْ وَ لاَ تَتْرُكُوهُمْ فَتَفَرَّقُوا وَ تَمْرُقُوا[128]. اَللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمیلِ، وَ التِّعْدَادِ الْكَثیرِ، إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَیْرُ مَأْمُولٍ[129]، وَ إِنْ تُرْجَ فَأَكْرَمُ مَرْجُوٍّ. [صفحه 79] اَللَّهُمَّ وَ قَدْ بَسَطْتَ لی فیمَا لاَ أَمْدَحُ بِهِ غَیْرَكَ، وَ لاَ أُثْنی بِهِ عَلی أَحَدٍ سِوَاكَ، وَ لاَ أُوَجِّهُهُ إِلی مَعَادِنِ الْخَیْبَةِ وَ مَوَاضِعِ الرّیبَةِ، وَ عَدَلْتَ[130] بِلِسَانی عَنْ مَدَائِحِ الآدَمِیّینَ، وَ الثَّنَاءِ عَلَی الْمَرْبُوبینَ الْمَخْلُوقینَ. اَللَّهُمَّ وَ لِكُلِّ مُثْنٍ عَلی مَنْ أَثْنی عَلَیْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاءٍ، أَوْ عَارِفَةٌ مِنْ عَطَاءٍ، وَ قَدْ رَجَوْتُكَ دَلیلاً عَلی ذَخَائِرِ الرَّحْمَةِ وَ كُنُوزِ الْمَغْفِرَةِ. اَللَّهُمَّ وَ هذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحیدِ الَّذی هُوَ لَكَ، وَ لَمْ یَرَ مُسْتَحِقّاً لِهذِهِ الْمَحَامِدِ وَ الْمَمَادِحِ غَیْرَكَ، وَ بِیَ فَاقَةٌ إِلَیْكَ لاَ یَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلاَّ فَضْلُكَ، وَ لاَ یَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلاَّ مَنُّكَ وَ جُودُكَ. فَهَبْ لَنَا فی هذَا الْمَقَامِ رِضَاكَ، وَ أَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الأَیْدی إِلی سِوَاكَ، إِنَّكَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدیرٌ.
بِسْمِ اللَّهِ الْرَحْمنِ الْرَّحیِم اَلْحَمْدُ للَّهِ الَّذی لاَ یَفِرُهُ[1] الْمَنْعُ وَ الْجُمُودُ، وَ لاَ یُكْدیهِ الإِعْطَاءُ وَ الْجُودُ، إِذْ كُلُّ مُعْطٍ
صفحه 64، 65، 66، 67، 68، 69، 70، 71، 72، 73، 74، 75، 76، 77، 78، 79.
و نسخة الصالح ص 130. و نسخة العطاردی ص 95 عن شرح فیض الإسلام. و نسخة ابن أبی المحاسن ص 97. و نسخة ابن أبی المحاسن ص 99. و نسخة الأسترابادی ص 107. و متن منهاج البراعة ج 7 ص 3. و نسخة العطاردی ص 98.